الفانيليا نوتة عطرية شائعة الانتشار، مألوفة الرائحة إذ لطالما كانت تغري حواسنا وأرواحنا لقرون عديدة وتبقى الرائحة الأكثر شعبية وألفة، محبوبة ومستخدمة على نطاق واسع. حلوة، دافئة، حساسة، مثالية للمزج مع مختلف العطور. دعونا نبحر معاً في أسرار هذا المكون الأسطوري، أحد أكثر الروائح العطرية انتشاراً.
تستخلص الفانيليا من زهور عائلة الأوركيد المتوفرة في الأمازون “فانيليا بلانيفوليا” التي تنمو ككرمة. كما تنتج الكرمة الواحدة قروناً طويلة من بذور الفانيليا التي تنمو في الغابات الاستوائية حيث تسمح لها التربة الخصبة والرطوبة النمو بسلام تام. تحتوي فصيلة الفانيليا على حوالي 100 نوع، لكن الأنواع الرئيسية التي يتم حصادها هي الفانيليا بلانيفوليا أو الفانيليا المسطحة، وهي النبتة الوحيدة التي تنتج بذور الفانيليا. على الرغم من أن موطنها الأصلي هو المكسيك، إلا أنها تنمو بشكل كبير في مدغشقر؛ رغم ذلك فإن أفضل نوعية من الفانيليا تأتي من إيل بوربون، المعروفة الآن باسم جزيرة ريونيون.
تبدو ثمرة الأوركيد مثل نرجس بري أخضر اللون ينمو بشكل زاحف من خلال تمسكه بالشجرة الحاملة له. تأتي نكهة الفانيليا من الثمرة نفسها، حيث تنتج كل زهرة ثمرة فانليا واحدة. لكن الفانيليا نبات صعب المراس لا يمكن التعامل معه بسهولة إذ تتفتح الزهرة ليوم واحد ولبضعة ساعات فقط، ويجب حينها التلقيح لإنتاج الثمرة المطلوبة.
كان يتم تنفيذ ذلك بشكل طبيعي في منطقة الأمازون من قبل نحلة ميليبونا، ولكن عندما تمت زراعة بساتين الفانيليا الأولى في أوروبا، كانت الكروم تنمو وتنتج الأزهار لكن بدون الثمار. في القرن التاسع عشر، سمح التقدم في طرق التلقيح الأحدث بزراعة الفانيليا في مناخات استوائية أخرى بواسطة إدموند ألبيوس، صبي يبلغ من العمر 12 عامًا، اكتشف طريقة التلقيح اليدوية مما ولّد تقنية جديدة مع هذا الاكتشاف المذهل.
بمجرد تلقيح زهرة الفانيليا، تستغرق البذور ستة أسابيع لتصل إلى الحجم الكامل وتسعة أشهر أخرى لتنضج. بعد بلوغها مرحلة النضج، يتم قطف الثمار، التي تحتوي كل منها على آلاف البذور الصغيرة، بشك يدوي وهي لا تزال خضراء، ثم يتم سلقها وتخميرها عن طريق الطهي. بعد ذلك يتم تسخين القرون لأكثر من خمسة عشر يوماً، وبعد ذلك وأثناء ماتكون دافئة، تُلف في بطانيات حتى تتعرق طوال الليل. ممايؤدي إلى تقلص الحبوب ومنحها لونها البني المثالي بالإضافة إلى تركيز نكهاتها أكثر.
بعد ذلك وعبر طرق مختلفة يمكن فصل البذرة عن عطرها؛ ومع ذلك، تحتوي البذرة على الفانيلين – جزيء الرائحة، بكميات صغيرة جداً (25 جرامًا فقط من الفانيلين مقابل كيلو واحد من القرون). تحتاج حبوب الفانيليا إلى مذيب خاص لإطلاق مركباتها العطرية نظراً لأنها لا تستطيع تحمل الحرارة المطلوبة للتقطير بالبخار أو الضغط الميكانيكي الذي لن ينتج أي زيت.
بشكل عام، هناك ثلاثة أنواع من زيوت الفانيليا العطرية:
– ثاني أكسيد الكربون بالفانيليا: يتكون عن طريق وضع حبوب الفانيليا في حجرة، وحقنها بغاز ثاني أكسيد الكربون، ثم ضغط الهواء في الغرفة. يؤدي ذلك إلى تسييل ثاني أكسيد الكربون، مما يسحب الزيت من الكبسولات. ثم يعود ثاني أكسيد الكربون إلى الغاز، تاركاً النفط وراءه.
– أوليوريسين الفانيليا: يتم إنتاجه عن طريق الاستخلاص بالمذيبات من البذور المطحونة.
– مستخلص الفانيليا: يتم إنتاجه عن طريق استخلاص الزيت عبر المذيبات. من بينها، وهي أغلى وأنقى مصدر للفانيليا، تأتي غالباً في قوام عجينية ويمكن أن تصل تكلفتها إلى 8000 دولار للرطل الواحد.
لكون زراعة واستخراج حبوب الفانيليا يتطلب عمالة مكثفة، فهو ثاني أغلى نوع بهار بعد الزعفران. لذلك، الفانيليا كمادة خام طبيعية هي منتج مرموق يستخدم في صناعة العطور الفاخرة في الوقت الحاضر. وبسبب ذلك فإن الفانيليا التي نشمها اليوم في العديد من العطور هي الفانيلين الاصطناعي.
ونظرًا لكونها حلوة وسلسة، فإن الفانيليا تتماشى مع الكراميل أو الكعك أو عرق السوس وما إلى ذلك. كما أنه مثالي أيضاً للمزج مع عائلة العطور الخشبية لتكوين تركيبة عميقة غنية بالنوتات المخملية.
يتميز العطر الذي يحوي الفانيليا بحلاوته ودفئه، مع إحياء روائح قديمة لطقوس خبز البسكويت الذي يفوح بالدفء بطريقة فريدة لا يمكن مقارنتها بأي رائحة أخرى، وهذا جزء من سحرها.






